كشف مصدر مطلع على المحادثات بين الحكومة الإيطالية وعائلة تشيشيليا سالا لـ"إيران إنترناشيونال" أن السلطات الإيرانية أبلغت السلطات الإيطالية بأنها لن تُفرج عن الصحافية الإيطالية المعتقلة في طهران إلا إذا أُفرج عن محمد عابديني نجف آبادي، المواطن الإيراني المعتقل في ميلانو.
وهذا الطلب الإيراني لم يُنشر عنه تقرير مسبق، ولم يصرّح المسؤولون الإيطاليون، بمن فيهم رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، الذين يرغبون في إنهاء هذه الأزمة بسرعة، بأي تصريحات واضحة حوله حتى الآن.
يشار إلى أن تشيشيليا سالا، البالغة من العمر 29 عامًا، صحافية ومنتجة بودكاست، كانت قد سافرت إلى إيران بتأشيرة صحافية، واعتُقلت في طهران يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) وتقبع منذ ذلك الحين في زنزانة انفرادية في سجن إيفين.
أما محمد عابديني نجف آبادي، البالغ من العمر 38 عاما، فقد اعتُقل في ميلانو يوم 15 ديسمبر بناءً على طلب الولايات المتحدة، التي تتهمه بالمشاركة في توفير تقنية استخدمت في هجوم بطائرة مسيّرة في الأردن، أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين.
وقال المصدر المطلع على المحادثات بين الحكومة الإيطالية وعائلة سالا، والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، إن السلطات الإيرانية أبلغت السفيرة الإيطالية في طهران أثناء متابعتها القضية، بأنهم لن يوقفوا النظر في الاتهامات الموجهة لسالا إلا "لأسباب إنسانية"، إذا توقفت إجراءات تسليم محمد عابديني إلى الولايات المتحدة وأُفرج عنه من سجن "لا أوبرا" ليغادر إيطاليا.
وأضاف المصدر أن مسؤولي وزارة الخارجية والأمن في إيطاليا، أوصوا عائلتها بالالتزام بالصمت وعدم الإدلاء بأي تصريحات لوسائل الإعلام حولها. في ضوء ما وصفوه بـ"حساسية قضية تشيشيليا سالا وضرورة تجنب إثارة السلطات الإيرانية". ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه السياسة ستتغير بعد تصريحات أدلت بها تشيشيليا سالا في مكالمات هاتفية يوم الأربعاء، 1 يناير (كانون الثاني)، مع والدها ووالدتها وزوجها، والتي وصفتها صحيفة "كورييري ديلا سيرا" بأنها "صادمة".
وقد دفعت هذه التصريحات وزارة الخارجية الإيطالية إلى المطالبة بـ"الإفراج الفوري" عن تشيشيليا سالا، والحصول على "ضمانات كاملة بشأن ظروف اعتقالها".
وقد أعلنت الحكومة الإيطالية أنه مساء الخميس، عُقد اجتماع في قصر رئاسة الوزراء الإيطالية، بحضور نائب رئيس الجمهورية ووزير العدل ووزير الخارجية وممثلين عن الأجهزة الاستخباراتية التي تجري مفاوضات موازية مع الجانب الإيراني، لمناقشة ملف الصحافية الإيطالية تشيشيليا سالا.
ووفقًا لتقرير صحيفة "كوريري ديلا سيرا"، ذكرت سالا خلال حديثها مع عائلتها يوم 1 يناير أنها لم تستلم الحزمة التي تحتوي على مستلزمات أساسية (ملابس، أدوات نظافة، عصابة للعين، سجائر، وكتاب)، والتي أعدتها السفارة الإيطالية في طهران وكان من المفترض أن تصل إليها بناءً على تأكيد المسؤولين الإيرانيين. كما أشارت إلى أن نظارتها الطبية قد صودرت.
لكن وسائل إعلام إيطالية ذكرت في 31 ديسمبر نقلاً عن وحيد جلال زاده، نائب وزير الخارجية الإيراني، أن سالا تسلمت هذه الحزمة التي أرسلتها السفيرة الإيطالية.
وأوضحت سالا أنها تقيم في زنزانة ضيقة بحجم طولها، وتنام على بطانية مفروشة على الأرض مع بطانية أخرى للتغطية، ولا ترى الحراس الذين يقدمون لها الطعام- وغالبًا ما يكون تمرًا- عبر فتحة في باب الزنزانة.
الاعتقال وسط اتهامات غير معلنة
يأتي عرض إيران بشأن شروط الإفراج عن سالا في ظل مرور أكثر من أسبوعين على اعتقالها دون الإعلان عن طبيعة الاتهامات الموجهة إليها.
وفي 31 ديسمبر، أي بعد 11 يومًا من اعتقالها، أكدت إدارة الإعلام الأجنبي بوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في بيان أن تشيشيليا سالا اعتقلت يوم 18 ديسمبر بتهمة "انتهاك القوانين الإيرانية".
وبحسب مصدر في "إيران إنترناشونال"، ترى السلطات الإيطالية أن عدم الإعلان عن التهم الموجهة لسالا قد يكون دليلًا على براءتها واعتقالها بشكل تعسفي. كما يُحتمل أن يكون ذلك محاولة متعمدة من الجانب الإيراني لتجنب الإعلان عن التهم، ما يتيح لها حرية التصرف بناءً على موقف إيطاليا من قضية عابديني.
وهذا الوضع يمنح السلطات الإيرانية خيارين: إما الإفراج بسهولة عن سالا في حال تعاون إيطاليا معهم بشأن عابديني، وإما اتهامها بتهم حساسة وإصدار حكم قاسٍ عليها إذا رفضت إيطاليا التعاون.
ووفقًا للمصدر، يبدو أن سماح إيران لسالا بالاتصال بأفراد عائلتها في اليوم الأول من العام الجديد، ووصفها الظروف القاسية التي تعيشها في السجن، قد جاء بهدف زيادة الضغط على الحكومة الإيطالية للإسراع في تأمين الإفراج عنها.
تحركات قانونية متأخرة
في الوقت نفسه، أعلنت السفارة الإيطالية في طهران أن وزارة الخارجية الإيرانية قدمت قائمة بمحامين إيرانيين للسفيرة باولا أمادي لاختيار أحدهم للدفاع عن سالا.
لكن هذا الإجراء يأتي متأخرًا مقارنةً بالخطوات التي اتخذتها إيطاليا في قضية عابديني، ويهدف إلى إضفاء مظهر قانوني على قضية سالا في إيران.
قضية اختطاف معقدة
وبعد ثلاثة أيام من اعتقال عابديني في مطار ميلانو، ظهر لأول مرة في محكمة المدينة حيث اعترض على طلب تسليمه إلى الولايات المتحدة. وبناءً على هذا الاعتراض، أصدر القاضي قرارًا بتوقيفه مؤقتًا، وبدأت الإجراءات القانونية المتعلقة بقضية تسليمه، التي قد تستمر لمدة شهرين.
وفي نفس اليوم، حوالي الساعة 12:30 ظهرًا، أي أقل من ساعة بعد انتهاء محاكمة عابديني في ميلانو وصدور قرار توقيفه من قبل القاضي، تم اعتقال سالا في طهران.
وقد تزامن هذا الاعتقال مع العلم بأن إقامة سالا في إيران كانت قانونية وأن وزارة الإرشاد كانت على علم بجميع خططها خلال هذه الزيارة، مما جعل هذا التوقيت يمثل أول مؤشر للسلطات الإيطالية على وجود علاقة بين اعتقال الشخصين، وهو أمر لم يُصرح به علنًا من قبل المسؤولين الإيطاليين.
وبعد أسبوع من الصمت وعدم الكشف عن هذا الاعتقال من قبل وسائل الإعلام والرأي العام، اكتفى المسؤولون الإيطاليون في تصريحاتهم بالتأكيد على حساسية الموضوع وتعقيد القضية.
وأكدت جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، على جهود حكومتها لإطلاق سراح سالا في أقرب وقت ممكن، قائلة: "هذه القضية معقدة، لكننا نستخدم جميع السبل الممكنة للتفاوض من أجل الإفراج عن سالا."
كما أشار أنطونيو تاجاني، وزير الخارجية الإيطالي، إلى جهود روما للإفراج عن سالا، قائلاً: "نحن نعمل على حل هذه القضية المعقدة، وفي نفس الوقت نتأكد من أن تشيشيليا سالا يتم احتجازها في أفضل الظروف الممكنة."
لكن الجانب الثالث في هذه القضية الحقوقية والدبلوماسية كان له موقف أكثر وضوحًا. فقد أكدت الولايات المتحدة، الحليف القوي لإيطاليا والعدو التقليدي لإيران، ضمنًا، أن تشيشيليا سالا قد تم احتجازها كرهينة في طهران لتبادلها مع محمد عابديني.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في حديث مع موقع "رابابليكا": "تم احتجاز تشيشيليا سالا في طهران بعد اعتقال المواطن الإيراني المتهم بتهريب قطع الطائرات المسيرة في إيطاليا. نحن نكرر دعوتنا للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين الذين تم احتجازهم بشكل تعسفي في إيران ويستخدمهم النظام الإيراني كأدوات سياسية."
لكن على عكس الحكومة الإيطالية، أشارت بعض وسائل الإعلام الإيطالية بشكل صريح إلى قضية اختطاف سالا في إيران، مثل موقع "إيطاليا 24" الذي كتب: "نقل المواطن الإيراني البالغ من العمر 38 عامًا إلى طهران هو شرط صريح من نظام آيات الله لعودة تشيشيليا سالا إلى إيطاليا."
كما صرح المتحدث باسم منظمة العفو الدولية في إيطاليا لموقع "فن بيج" الإيطالي قائلاً: "قضية سالا هي مثال آخر على السياسة التي تستخدم الأشخاص كأوراق للمقايضة. لدى السلطات الإيرانية تاريخ طويل في اختطاف المواطنين ذوي الجنسية المزدوجة أو الأجانب."
وأشار مصدر "إيران إنترناشيونال" إلى تصاعد الضغط الشعبي على الحكومة الإيطالية، حيث طمأنت الحكومة عائلة تشيشيليا سالا بأن هناك محادثات مكثفة جارية مع المسؤولين الإيرانيين بشأن إطلاق سراحها.
وأوضح المصدر لموقع "إيران إنترناشيونال" قائلاً: "لم يرغب المسؤولون في التصريح بشكل قاطع عن الموافقة على المقايضة التي طلبتها إيران، لكنهم أكدوا أن جميع الخيارات قيد النظر وأنهم سيعيدون سالا إلى وطنها."
رفض طلب عابديني بالإقامة الجبرية
في الوقت الذي لا تزال فيه الحكومة الإيطالية تعتبر أن أي موقف سياسي علني أو صراع دبلوماسي مع طهران قد "يزيد الوضع سوءًا في مفاوضات كانت بالفعل صعبة"، فإن النيابة العامة في البلاد لا تظهر أي مرونة في هذا الشأن.
وبالنظر إلى مواقف السفارة الإيرانية في روما، يبدو أن طهران كانت تعتبر طلب محامي عابديني بنقله إلى الإقامة الجبرية بمثابة إشارة إلى حسن نية إيطاليا.
وهذا الطلب الذي كانت السلطات القضائية الأميركية تعارضه بشدة، حيث أكدت في رسالة إلى محكمة الاستئناف في ميلانو ضرورة استمرار احتجازه في السجن.
وكان هذا الرأي قد لقي اهتمام النيابة العامة في ميلانو أيضًا. حيث أعلنت فرانشيسكا ناني، المدعية العامة في ميلانو، يوم الخميس أنها تعارض منح محمد عابديني الإقامة الجبرية أو الإفراج المشروط، لأن الضمانات التي قدمتها القنصلية الإيرانية بعدم هروبه لم تكن كافية.
يشار إلى أن رأي المدعية العامة ليس ملزمًا للقضاة الذين سيتخذون قرارهم في جلسة سيعلن عن تاريخها اليوم الجمعة. لكن تجربة هروب أرتيم أوس، التاجر الروسي وابن أحد الأوليغارشيين المقربين من بوتين من الإقامة الجبرية في عام 2023، قد تؤثر على قرار القضاة في قضية عابديني أيضًا. وكان هروبه قد تحول إلى فضيحة للنظام القضائي في البلاد.
وفي تلك الفترة، كانت المدعية العامة في ميلانو قد اعترضت أيضًا على منح هذا الشخص الإقامة الجبرية في حين كانت الولايات المتحدة قد طلبت تسليمه، لكن القضاة أصدروا حكمًا مغايرًا رغم اعتراض المدعية العامة.
الخيارات السياسية لحكومة إيطاليا
وفقًا للفقرة الثانية من المادة 718 من قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي، يمكن لوزير العدل في البلاد التدخل في عملية التسليم، ووقفها حتى بعد إصدار حكم المحكمة، وإصدار أمر بالإفراج والطرد للشخص المحتجز.
وقرار كهذا سيكون مثيرًا للجدل سياسيًا، حيث إن المدعي العام في ميلانو، الذي يمثل وزارة العدل حاليًا، قد طلب استمرار احتجاز الشخص، فيما تصفه الولايات المتحدة بأنه مجرم خطير.
ومع ذلك، إذا كان هذا هو السبيل الوحيد لتحرير تشيشيليا سالا، بالنظر إلى أن النظام الإيراني لديه تاريخ طويل في احتجاز المواطنين الغربيين لفترات طويلة وعمليات مبادلتهم مع السجناء في دول أخرى، قد لا تجد الحكومة الإيطالية بديلاً سوى الاستجابة لهذا الطلب.
حساسية القضية جعلت جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، وألفريدو مانتوفانو، نائبها الذي يتولى مسؤولية مراقبة الأجهزة الاستخباراتية، يقودان المفاوضات وراء الكواليس من أجل تحرير سالا.
وأشار مصدر لموقع "إيران إنترناشيونال" إلى أن هذه الاعتبارات لا تهم عائلة سالا، حيث لم تتمكن الإجراءات الحذرة من المسؤولين حتى الآن من إقناع عائلتها. "لقد أوضحوا في اجتماعاتهم مع المسؤولين الحكوميين أنهم لا يقبلون أي مبرر لعدم الإفراج عن ابنتهم."