إيران وتركيا على شفا أزمة.. هل تكون سوريا شرارة صراع دبلوماسي جديد؟
مرّ وقت طويل على توتر العلاقات بين إيران وتركيا، لكن الأحداث الأخيرة في سوريا، وخاصة سقوط نظام بشار الأسد والتغيرات في موازين القوى، أدخلت هذا التنافس الجيوسياسي في مرحلة جديدة من المواجهة الدبلوماسية الواضحة.
بينما كان كلا البلدين يحاولان سابقًا إدارة خلافاتهما بطريقة محدودة تحت السيطرة، فإن التصريحات الأخيرة من المسؤولين في الجانبين قد أظهرت أن الشقاق بين طهران وأنقرة أعمق من أن يُخفى تحت الدبلوماسية السرية.
وسائل الإعلام في كلا البلدين استهدفت بعضها البعض بشكل مكثف، وفي أنقرة، تعتبر تركيا نفسها فائزة في معادلات سوريا، وتتهم طهران باللعب بأوراق محروقة، بينما في طهران، يتم اتهام تركيا بالخيانة والمغامرة والتواطؤ مع الجماعات المتطرفة.
لكن ما زاد من تفاقم هذا التوتر هو عمليات القتل التي تعرض لها العلويون في سوريا خلال الأيام الأخيرة.
بعض المسؤولين الإيرانيين يحمّلون أنقرة مسؤولية هذه الجريمة، ويطالبون أنقرة بتوضيح موقفها. لكن تركيا تتهم إيران بأنها تساهم في خلق الفتن بسوريا، وتعتبر المسؤولين الإيرانيين شركاء في جرائم الأسد.
إلى أين ستصل التوترات بين إيران وتركيا؟
بداية التوترات الأخيرة بين إيران وتركيا كانت مع تصريحات هاكان فيدان، وزير خارجية تركيا خلال مقابلة إعلامية، حيث اتهم إيران بأنها تضع أمنها على المحك من خلال دعم الجماعات شبه العسكرية، ودفعت ثمنًا يفوق ما حققته من وراء ذلك.
وأشار إلى دور إيران في سوريا ودعمها المحتمل للقوات الكردية، محذرًا: "إذا تدخلت دولة في شؤون دولة أخرى، ودعمت جماعات لزعزعة استقرارها، فإنها قد تواجه ردًا بالمثل".
كما قال بنبرة ساخرة: "لا شيء يبقى مخفيًا في عالم اليوم. القدرات التي تمتلكها أنت، يمتلكها الآخرون أيضًا. لذلك، إذا كنت لا تريد أن يُلقى حجر في نافذتك، فلا ترمِ حجارة في نوافذ الآخرين".
هذه التصريحات تسببت في رد فعل سريع وحاد من طهران. حيث أكد إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أن إيران دعمت المقاومة دائمًا، وفي نفس الوقت واجهت الإرهاب والعنف.
لكن هذا الرد لم يقنع أنقرة، واتهمت وسائل الإعلام التركية إيران بأنها تخلق حالة من انعدام الأمن، خصوصًا في المناطق الكردية.
حتى على المستوى الدبلوماسي، لم تتم تهدئة التوترات. فقد "دعا" كلا البلدين سفير الآخر لتقديم توضيحات، مع تجنب استخدام كلمة "استدعاء".
هذه الخطوة الدبلوماسية كانت ظاهرًا لتهدئة التوتر، لكن المواقف الحادة من المسؤولين الإيرانيين والأحداث الإقليمية جعلت التوترات لا تزال مستمرة.
وحذّر علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني، من أن "إيران لن تصمت أبدًا أمام التصريحات المتجاوزة".
من جهة أخرى، اتهم أبو الفضل ظهره وند، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، تركيا بأنها دخلت في مغامرة كبيرة في سوريا وأطاحت بالحكومة الشرعية هناك. وأضاف قائلاً: "اليوم تركيا أصبحت شريكًا وحليفًا لإسرائيل".
من سوريا إلى القوقاز.. معركة المواقف
في الوقت الحالي، تعتبر سوريا النقطة المركزية للاختلافات الجيوسياسية بين إيران وتركيا. حيث تصاعدت التوترات بين البلدين بعد سقوط بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وزادت لهجة المسؤولين الأتراك تجاه طهران.
وفي مارس (آذار) الجاري، قال رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، في تصريح مباشر إلى إيران: "أولئك الذين سكتوا لمدة 14 عامًا بينما كان الأطفال الأبرياء يقتلون في سوريا بالقنابل البرميلية والأسلحة الكيماوية، لا يمكنهم اليوم أن يأتوا ويتصرفوا معنا بوقاحة".
هذه التصريحات كانت استمرارًا لنظرة أردوغان التي وجهها في عام 2014 إلى المرشد الإيراني. لكن الآن تغيرت موازين القوى في سوريا بالنسبة لكل من طهران وأنقرة.
وأكد فيدان، الذي يصفه الإعلام الإيراني بـ"الجاسوس السابق"، بعد سقوط دمشق، قائلاً: "نحن في جانب التاريخ الصحيح. ما يحدث في سوريا يشبه نضال استقلال تركيا".
وأظهرت هذه التصريحات أن أنقرة تعتبر نفسها فائزة في الساحة السورية، وترى في الوضع الجديد فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي، فيما تعتبر طهران هذا تهديدًا رئيسيًا.
لكن سوريا ليست الساحة الوحيدة التي يختلف فيها البلدان. التنافس في جنوب القوقاز هو أيضًا محور آخر للاختلاف بين البلدين. حيث تعتبر إيران أن توسع نفوذ تركيا في هذه المنطقة يمثل تهديدًا لموقعها الجيوسياسي، وتراه محاولة لمحاصرتها.
من جهة أخرى، تصف تركيا سياستها بأنها جزء من استراتيجية توسيع نفوذها في أذربيجان ودول آسيا الوسطى الناطقة بالتركية.
وفي طهران، يُنظر إلى هذه الجهود بعين الشك، ويعتقد بعض المحللين أن أنقرة تدعم الحركات "الانفصالية التركية" في إيران، وهو ما يعتبره البعض بمثابة خطر قد يترجم إلى تهديدات مباشرة.
إيران وتركيا.. صراع بالوكالة أم حرب مباشرة؟
مع تصاعد التوترات بين طهران وأنقرة، طرح بعض الإعلاميين الغربيين والمحللين السياسيين سيناريو المواجهة العسكرية المباشرة بين البلدين.
وحذر بريندان ويتشرت، المحلل في "نيوز إنترست"، في فبراير (شباط) الماضي، من أن هذا الصراع قد يتحقق وأن العراق قد يتحول إلى ساحة قتال بين البلدين، نظرًا لتوسع نفوذ تركيا في المنطقة، مما قد يدفع إيران إلى رد فعل أكثر عدوانية.
ومن ناحية أخرى، يرى موقع "ميدل إيست آي" أن هذه التوترات جزء من التنافس التقليدي بين طهران وأنقرة، على الرغم من أن هذه الخلافات قد تزيد من الصراعات بالوكالة.
لكن على الرغم من الشقاق العميق بين مواقف طهران وأنقرة، لا توجد أي إشارات على رغبة أي من البلدين في الدخول في صراع مباشر.
كما أن إيران، التي تواجه تهديدات أمنية متعددة، بما في ذلك الوجود الأميركي في المنطقة وضغوط إسرائيل، لا ترغب في فتح جبهة جديدة قد تعقد وضعها الاستراتيجي.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الدخول في صراع مباشر مع تركيا، العضو في حلف الناتو، مكلفًا للغاية بالنسبة لطهران.
من جهة أخرى، فإن تركيا، رغم سياساتها العدوانية، تواجه تحديات اقتصادية وأزمات داخلية. وفي هذه الظروف، فإن الدخول في حرب مع جارتها الشرقية سيشكل مخاطرة كبيرة لأنقرة.
ويبدو أن التوتر بين إيران وتركيا قد يستمر في أسوأ الحالات في شكل صراعات بالوكالة في العراق وسوريا، كما شهدنا في السنوات الماضية.
وعليه، فإن تركيا- التي تعتمد على الجماعات المسلحة الإسلامية في سوريا- قد تستخدمها ضد إيران، في حين أن طهران قد تسعى لتقليص قوة أنقرة من خلال نفوذها على الجماعات الشيعية في العراق وسوريا.