إيران تنهي أسوأ عام لها وتدخل مستقبلاً غامضًا

ماردو سُقُم
ماردو سُقُم

مدير تحرير القسم الإنجليزي لـ"إيران إنترناشيونال"

كان العام الإيراني 1403 (الذي ينتهي اليوم الأربعاء 19 مارس/آذار)، واحدًا من أكثر الأعوام تحديًا للنخبة الحاكمة في إيران، إذ عانت البلاد من ركود اقتصادي داخلي وانتكاسات تاريخية على الصعيد الخارجي.

في بداية العام في مارس (آذار) 2024، كانت إيران تعاني بالفعل من اقتصاد متعثر وتهديدات بالاضطرابات السياسية. ومع ذلك، كانت لا تزال تبدو قوية إقليميًا ويمكنها أن تقدم نفسها كمنافس جاد للمصالح الأميركية والإسرائيلية.

ومع بداية العام، كانت إسرائيل منشغلة بحربها مع حركة حماس المدعومة من إيران في غزة. وأعلنت طهران بثقة أن خصمها الإقليمي غارق في صراع لا يمكنه الانتصار فيه، متفاخرة بـ"محور المقاومة"، ومهددة بتصعيد الموقف ضد كل من إسرائيل والمصالح الأميركية.

كما كان الحوثيون في اليمن يواصلون تعطيل حركة الشحن في البحر الأحمر وإطلاق الصواريخ على إسرائيل.

الهجمات الحوثية على التجارة البحرية، التي بدأت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 بعد إعلان من المرشد الإيراني علي خامنئي، تسببت في خسائر تقدر بـ200 مليار دولار على الاقتصاد العالمي.

وبعد أقل من شهر على بداية العام الإيراني، شنت طهران في أبريل (نيسان) 2024 هجومًا واسع النطاق بالصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل ردًا على هجمات إسرائيلية استهدفت مواقع إيرانية في سوريا.

وعلى الرغم من أن معظم القذائف تم اعتراضها بأضرار طفيفة، فإن إيران صورت الهجوم على أنه ضربة قوية ضد "الكيان الصهيوني". حينها، بدت طهران قوية، قادرة على ردع خصمها الأكثر إصرارًا.

لكن في أواخر يوليو (تموز)، بدأت الكفة تميل ضدها، عندما قُتل زعيم حماس إسماعيل هنية في انفجار أثناء إقامته في دار ضيافة حكومية في طهران.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الحادث نتيجة عبوة ناسفة مزروعة أو ضربة صاروخية إسرائيلية، لكن قدرة العدو اللدود لطهران على الضرب في أي مكان لم تكن خافية على أحد.

كان هذا الاغتيال مجرد واحد من سلسلة عمليات تصفية بلغت ذروتها باغتيال قادة من حزب الله عبر أجهزة اتصالات مفخخة، وانتهت بمقتل زعيم الحزب حسن نصر الله.

أزمة سياسية

قبل هذه الضربات المفصلية، تعرضت إيران لصدمة كبيرة أخرى في مايو (أيار)، عندما قُتل الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته في حادث تحطم مروحية غامض في شمال غرب البلاد.

وشكك الكثيرون في الرواية الرسمية التي عزت الحادث إلى سوء الأحوال الجوية، وهو ما لم يتم إثباته بشكل قاطع، مما أثار تكهنات حول وجود مؤامرة داخلية على مستوى عالٍ أو عملية إسرائيلية.

كان رئيسي يُعتبر على نطاق واسع غير فعال، إذ تسبب في تدهور اقتصادي سريع منذ توليه منصبه في 2021.

وفي يونيو (حزيران)، أجرت إيران انتخابات رئاسية، حيث استُبعد العديد من المرشحين الرئيسيين من خلال عملية تدقيق يديرها خامنئي. في النهاية، واجه مسعود بزشكيان، وهو سياسي بلا خبرة تنفيذية، المتشدد سعيد جليلي في جولة إعادة شهدت إقبالًا ضعيفًا، وانتهت بفوز بزشكيان.

وخلال حملته، أوضح بزشكيان أنه لا يملك خططًا خاصة، سوى تنفيذ توجيهات خامنئي.

وبينما كان بعض الإيرانيين يأملون في إصلاحات محدودة أو انفراجة دبلوماسية لتخفيف العقوبات الأميركية، فقد تبددت هذه الآمال عندما أعلن خامنئي رسميًا حظر المفاوضات في فبراير (شباط) الماضي، ما دفع بزشكيان إلى إعلان ولائه للقرار، مما خيب آمال حتى مؤيديه الإصلاحيين.

أزمة اقتصادية

بحلول منتصف 2024، ومع ضعف حزب الله وحماس، وازدياد ثقة إسرائيل في ضرب الأهداف العسكرية الإيرانية، تفاقمت أزمة إيران الاقتصادية. وفقد الريال الإيراني قيمته بسرعة، إذ انخفض من 55 ألف تومان مقابل الدولار في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى 90 ألف تومان في فبراير (شباط)، بل وصل إلى مائة ألف تومان بحلول 18 مارس (آذار) الجاري.

عكس هذا التدهور صورة حكومة غير قادرة على وقف الانهيار. كما أدى النقص الحاد في الطاقة إلى شل الأسر والصناعات خلال فصلي الخريف والشتاء، حيث كانت الحكومة تعلن بانتظام عن انقطاعات للكهرباء في جميع أنحاء البلاد بسبب أزمات التدفئة وانقطاع التيار الكهربائي.

واستمرت صادرات النفط الإيرانية إلى الصين عبر وسطاء وبأسعار مخفضة، لكن إدارة ترامب صعّدت العقوبات على ناقلات النفط والكيانات التجارية عقب حملة بايدن المتأخرة لخفض الصادرات الإيرانية.

ورغم استمرار بعض العائدات النفطية، إلا أنها لم تكن كافية لتغطية احتياجات الحكومة من العملة الأجنبية، خاصة في ظل التزامات طهران المالية تجاه الفصائل الإقليمية التابعة لها.

توقعات قاتمة

يقول العديد من المطلعين السياسيين في طهران الآن إن إدارة بزشكيان قد تكون غير قادرة على معالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. الفرصة الوحيدة للخروج من هذا الوضع تكمن في تخفيف العقوبات الأميركية، لكن خامنئي يرفض حتى الآن الرضوخ لضغوط ترامب لتقديم تنازلات.

لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت واشنطن تسعى فقط إلى اتفاق ملزم لمنع إيران من تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عسكرية، أم أنها تهدف أيضًا إلى الحد من برنامج الصواريخ الباليستية والأنشطة الإقليمية لطهران.

يبدو أن خامنئي يعتمد على سياسة كسب الوقت، على أمل أن تتغير الظروف لصالحه أو أن يتمكن من المماطلة حتى الانتخابات الأميركية المقبلة.

في الوقت نفسه، يواصل ترامب تشديد العقوبات وزيادة التهديدات العسكرية، سواء بشكل مباشر أو عبر إسرائيل.

التحدي الآخر يتمثل في خطر اندلاع اضطرابات شعبية بسبب ارتفاع الأسعار المتسارع وتزايد الشعور بعدم الاستقرار السياسي.

ورغم أن إيران أظهرت مرارًا استعدادها لاستخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين، فإن قدرتها على قمع الانتفاضات الجماهيرية ليست مضمونة.

وإذا وصلت أسعار السلع الأساسية إلى مستويات تضخمية غير مسبوقة، فقد تبدأ حتى الأجهزة الأمنية والكوادر الموالية للنظام، التي تعتمد على دخول ثابتة، في التردد والانشقاق.