بين العزلة المالية والضغوط الأميركية.. إيران على "شفا كارثة اقتصادية"

دالغا خاتين أوغلو
دالغا خاتين أوغلو

محلل اقتصادي في شؤون الطاقة

بدأت إيران عامها المالي الجديد، في 20 مارس (آذار) الجاري، وسط أزمات اقتصادية ونقص متزايد في الطاقة، وهو ما اعترف به مسؤولو النظام الإيراني، الذين أقرّوا بأن الأوضاع من المرجح أن تتفاقم هذا العام.

وفي الوقت نفسه، أدت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وإحياء سياسة "الضغط الأقصى"، من قِبل الإدارة الأميركية، إلى تشديد الخناق على الاقتصاد الإيراني.

وفي حين أعلن البنك المركزي أن معدل التضخم السنوي بلغ 45 في المائة الشهر الماضي، تشير وسائل الإعلام المحلية إلى أن الزيادات الفعلية في الأسعار أعلى بكثير؛ حيث تضاعفت أسعار الغذاء والدواء والسلع الأساسية الأخرى تقريبًا.

وعلاوة على ذلك، انتهى العام المالي بارتفاع الدولار الأميركي إلى ما يقرب من مليون ريال إيراني، مما يمثل زيادة بنسبة 65 في المائة منذ بداية العام الماضي، وقد تسارع انخفاض قيمة الريال بشكل حاد في الأيام الأخيرة.

وفي الوقت نفسه، تكشف بيانات البنك المركزي الإيراني أن الاحتياطيات الأجنبية لإيران تنضب بسرعة؛ حيث انخفضت إلى ربع مستواها في مارس 2024 وعُشر مستواها في مارس 2023 فقط.

وضع التجارة الخارجية لإيران

تظهر أحدث الأرقام الصادرة عن البنك المركزي الإيراني أن أزمة إيرادات النقد الأجنبي في إيران، قد استمرت في النصف الأول من العام المالي الحالي، الذي بدأ في 20 مارس 2024. ولم يتم الإعلان عن أي بيانات بعد للنصف الثاني من العام نفسه.

وخلال هذه الفترة، سجلت إيران فائضًا تجاريًا إجماليًا قدره 11.5 مليار دولار، بما في ذلك النفط والسلع والخدمات. ومع ذلك، شهدت البلاد أيضًا هروب رؤوس الأموال بقيمة إجمالية بلغت 12.5 مليار دولار.

ونتيجة لذلك، تحول الرصيد الصافي لتدفقات النقد الأجنبي والخروج منها- بما في ذلك السبائك الذهبية- إلى سالب.

ونظرًا للانخفاض الحاد في صادرات إيران النفطية إلى الصين منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، فمن المتوقع أن تتفاقم الأوضاع سوءًا، خاصة أن النفط ومنتجاته البترولية والغاز الطبيعي تمثل أكثر من نصف إجمالي صادرات البلاد.

وعلى مدار الأشهر الـ 11 الأولى، استوردت إيران نحو 93 طنًا من السبائك الذهبية بقيمة 7.3 مليار دولار مقابل صادراتها النفطية والسلعية؛ أي ثلاثة أضعاف الكمية المستوردة في العام السابق. وقد تم شراء أكثر من 55 في المائة من هذا الذهب من تركيا.

وفي الواقع، تمت مقايضة نحو 13 في المائة من إجمالي صادرات إيران النفطية وغير النفطية بالذهب، بدلاً من النقد الأجنبي. وهذا يسلط الضوء على عجز الحكومة عن تحصيل مدفوعات الصادرات من السلع والنفط وتحويل النقد الأجنبي إلى البلاد، بسبب العقوبات المصرفية الأميركية. ونتيجة لذلك، تواجه إيران نقصًا حادًا في الاحتياطيات الأجنبية.

أزمة الديون الحكومية

تظهر البيانات الأخيرة الصادرة عن البنك المركزي الإيراني أن ديون الحكومة للنظام المصرفي ارتفعت بنسبة 41 في المائة خلال العام المالي الحالي. ولتغطية عجز الميزانية المتزايد، اعتمدت الحكومة بشكل كبير على الاقتراض من البنوك المحلية، والاستفادة من صندوق التنمية الوطني، وإصدار السندات.

ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فقد تجاوز إجمالي ديون الحكومة الإيرانية الآن 120 مليار دولار، أي ما يعادل ثلث اقتصاد البلاد تقريبًا. في المقابل، يبلغ إجمالي الديون الخارجية لإيران، بما في ذلك الالتزامات الحكومية وغير الحكومية، أقل من 10 مليارات دولار- أي 2 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي- مما يؤكد العزلة المالية الشديدة للبلاد، وتردد المؤسسات الدولية في تمويل المشاريع الإيرانية.

وقبل عقدين من الزمن، أي قبل فرض العقوبات الثقيلة، كانت الديون الخارجية لإيران تمثل أكثر من 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعة بشكل كبير بالاستثمارات الأجنبية في مشاريع النفط والغاز. اليوم، أدى الاعتماد المتزايد للحكومة على الاقتراض المحلي إلى زيادة حادة في السيولة، مما زاد من تفاقم التضخم، فقد ارتفعت السيولة في إيران بنسبة 28 في المائة خلال العام الماضي وحده.

الفقر والطاقة وأزمة المياه

دفعت الأزمة الاقتصادية المزيد من الإيرانيين إلى براثن الفقر؛ إذ تشير التقارير الرسمية إلى أن ثلث المواطنين يعيشون في فقر مدقع. ومع ذلك، وفقًا لمعايير البنك الدولي للفقر العالمي، فإن نحو 80 في المائة من الأسر الإيرانية تكسب أقل من 600 دولار شهريًا، وتقع تحت خط الفقر.

ولأول مرة، تشهد إيران نقصًا في الكهرباء والغاز على مدار جميع الفصول؛ فخلال ذروة الطلب الصيفي في عام 2024، وصل نقص الكهرباء إلى 20 في المائة، بينما ارتفع نقص الغاز في الشتاء إلى 25 في المائة. وحذر المسؤولون من أن نقص الطاقة قد يزداد سوءًا بنسبة 5 في المائة على الأقل في العام المالي المقبل.

وتظهر التقارير أنه منذ صيف 2024، أجبرت اضطرابات الطاقة 30-40 في المائة من المؤسسات الصناعية الإيرانية على الإغلاق. في الوقت نفسه، تواجه البلاد نقصًا متزايدًا في البنزين والديزل منذ عام 2023. ومن المتوقع أن يتفاقم هذا العجز بسرعة، دون مشاريع تكرير جديدة.

وفي الوقت نفسه، وصلت أزمة المياه في إيران إلى مرحلة حرجة. يُقال إن الخزانات الرئيسة في طهران تعمل بنسبة 7 في المائة فقط من طاقتها، وحذر المسؤولون من نقص حاد في المياه بحلول صيف 2025.